ارتفع سعر زجاجات زيت الزيتون الضخمة ذات العلامات التجارية التي يتفق الجميع على أنها الأفضل والأرخص على الإطلاق، لتصبح ضعف التكلفة المعتادة. قد يبدو ارتفاع الأسعار في مخزن المؤن مجرد مثال آخر على التضخم الذي يصعب استيعابه.
لكن الاقتصاديين يقولون إنه قد يكون هناك سبب آخر وراء ارتفاعات معينة في الأسعار، وهو السبب الذي سيصبح أكثر تأثيراً في السنوات المقبلة: وهو تغير المناخ. وهذا هو الحال بشكل خاص، حيث إن كل شهر حتى الآن هذا العام هو الأكثر سخونة على الإطلاق. ويبدو من المرجح أن يكون شهر يونيو - الذي شهد موجة حر شديدة في معظم أنحاء البلاد - قد سجّل رقماً قياسياً آخر. في شهر مارس الماضي، توصلت دراسة أجراها علماء في البنك المركزي الأوروبي ومعهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ إلى أن ارتفاع درجات الحرارة من الممكن أن يضيف ما يصل إلى 1.2% إلى التضخم العالمي السنوي بحلول عام 2035.
وقد بدأت التأثيرات تتشكل بالفعل: فالجفاف في أوروبا آخذ في التفاقم، ما أدى إلى تدمير محصول الزيتون. وتتسبب الأمطار الغزيرة والحرارة الشديدة في غرب أفريقيا في تلف مزارع الكاكاو. كما أن حرائق الغابات والفيضانات وكوارث الطقس المتكررة تؤدي إلى ارتفاع تكاليف التأمين أيضاً.
ومع تسبب انبعاثات غازات الدفيئة الناجمة عن النشاط البشري في إحداث فوضى كوكبية، يتوقع الباحثون المزيد من التأثيرات الاقتصادية، مما يؤدي إلى زيادات مؤقتة في الأسعار، ويزيد من مخاطر التضخم الأطول أجلا، وخاصة مع تزايد تواتر موجات ارتفاع الحرارة. سيؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى خلق ظروف لا تطاق للمحاصيل والعمال. وستؤدي العواصف الشديدة وفترات الجفاف الطويلة إلى الإضرار بسلاسل التوريد وتعطيل تدفق التجارة. كما أن تزايد المخاطر وعدم اليقين سيجعل من الصعب تأمين كل شيء، بدءاً من المنزل وحتى مشروع تجاري جديد. يقول «ماكس كوتز»، خبير اقتصاديات المناخ في معهد بوتسدام الألماني والمؤلف الرئيسي لدراسة مارس: «هذه تأثيرات كبيرة حقاً... وستزداد سوءاً. وأوضح طريقة يمكننا من خلالها الحد من ذلك هي مجرد محاولة الحد من تغير المناخ نفسه». ويرى الخبراء أنه من الصعب في الوقت الحالي تحديد تأثير تغير المناخ على الأسعار، إذ أن هناك العديد من العوامل الأخرى التي تعمل أيضاً على رفع التكاليف في الوقت الحالي، بما في ذلك الحروب وسلاسل التوريد. لكن الاقتصاديين ليس لديهم ثمة شك في أن العالم الأكثر سخونة سيكون أكثر تكلفة أيضاً.
تفيد بيانات صندوق النقد العالمي أن السعر العالمي لزيت الزيتون بلغ أعلى مستوياته على الإطلاق هذا العام. في أوائل عام 2023، تداخلت ظروف الشتاء الدافئة مع قدرة الأشجار على إنتاج الفاكهة. عندما وصلت درجات الحرارة في الصيف إلى 110 درجات فهرنهايت، سقطت حبات الزيتون القليلة التي نمت من الكرمة قبل أن تنضج. واستنزف الهواء الحار الرطوبة من النباتات والتربة، مما أدى إلى إغراق جزء كبير من القارة في الجفاف وتسبب في ذبول النباتات وموتها. تظهر الدراسات أن درجات الحرارة المرتفعة هذه - والتي كانت في بعض الحالات «مستحيلة فعلياً» لولا تغير المناخ الناجم عن النشاط البشري - ساعدت في خفض إنتاج زيت الزيتون في المنطقة إلى ما يقرب من نصف المستويات المعتادة، وفقاً لوزارة الزراعة الأميركية.
ولأن الاتحاد الأوروبي ينتج أكثر من 60% من زيت الزيتون في العالم، فقد أصبح هذا النقص محسوساً في متاجر البقالة في جميع أنحاء الكوكب. يشير كوتز إلى أن الغذاء من بين السلع الأكثر عرضة للخطر، والتي يمكن أن تتأثر بارتفاع الأسعار بسبب المناخ، إذ تفقد النباتات المزيد من الماء من خلال أوراقها، وتتوقف عن تكوين الزهور والفاكهة، وفي النهاية تصبح غير قادرة على القيام بعملية التمثيل الضوئي. ويؤكد أن المحاصيل والثروة الحيوانية ومصايد الأسماك حساسة بشدة للتغيرات في بيئاتها. في كثير من الأحيان، يستطيع المنتجون التغلب على زيادات الأسعار الناجمة عن الطقس، مما يقلل من تأثيرها على المستهلكين.
وقال «جيري نيلسون»، الخبير الاقتصادي الزراعي في جامعة إلينوي، إن استراتيجيات التكيف هذه ستصبح أقل فعالية عندما تصبح عواقب تغير المناخ أكثر تواترا وشدة. وأشار إلى الكاكاو - الذي سجلت أسعاره أرقاماً قياسية هذا العام - باعتباره محصولاً يمكن أن يكون عرضة بشدة لارتفاع درجات الحرارة في المستقبل. كما أن درجات الحرارة المرتفعة والرطوبة الشديدة في غرب أفريقيا تجعل عمل المزارعين خطيراً.
وتتوقع الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن الكوارث ستضرب بشكل متزايد مناطق زراعية متعددة في نفس الوقت، مما يؤدي إلى نقص في الغذاء في جميع أنحاء العالم. وجدت إحدى الدراسات أن خطر فساد المحاصيل المتزامن في مناطق زراعة الذرة الرئيسية يمكن أن يزيد من 6% سنوياً في العقود الأخيرة إلى 40% إذا ارتفعت درجة حرارة العالم إلى 1.5 درجة مئوية (2.7 درجة فهرنهايت) فوق درجات حرارة ما قبل الصناعة – وهو حد من المرجح أن يتجاوزه الكوكب خلال العقد المقبل. لكن دراسة سلوك أسعار المواد الغذائية خلال الأحداث المناخية المتطرفة تساعد الباحثين على البدء في اكتشاف العلاقة بين تغير المناخ وفواتير البقالة. في دراستهم، رسم كوتز وزملاؤه تغييرات في مؤشرات أسعار المستهلك في 121 دولة مقابل بيانات درجات الحرارة الشهرية على مدى العقود الثلاثة الماضية.
وبعد التكيف مع عوامل أخرى - الركود العالمي، والصراعات داخل البلدان - وجدوا أنه مقابل كل درجة مئوية واحدة (1.8 درجة فهرنهايت) زيادة في درجات الحرارة في شهر معين، فإن تضخم أسعار المواد الغذائية سيزيد بنحو 0.2% على مدار العام التالي. ووجدت الدراسة أنه بحلول عام 2035، يمكن أن يؤدي تغير المناخ إلى زيادة التضخم السنوي في أسعار المواد الغذائية بنسبة تصل إلى 3.2%، وهو رقم يتجاوز هدف التضخم الإجمالي البالغ 2% الذي حددته العديد من البنوك المركزية، بما في ذلك بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، حيث لا يزال المسؤولون يكافحون من أجل السيطرة على الأسعار بعد عامين من ارتفاع أسعار الفائدة.
سارة كابلان*
*مراسلة متخصصة في المناخ، تغطي استجابة البشرية لظاهرة الاحتباس الحراري.
راشيل سيجل **
**مراسلة متخصصة في الاقتصاد
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آنذ سينديكيشن»